الخطب المنبرية في الجُمَع البهية

تذكير أهل الإيمان بحكم وفضائل القرآن

﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ تَذْكيرُ أَهْلِ الإيمَانِ بِحِكَمِ وَفَضَائِلِ القُرْآنِ ﴾

للأخ:سمير بوقرة

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمة  للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
فهذا لقاء الذِّكرِ من لقاءات الذِّكرى التي تنتفع بها قلوبُ المؤمنين، كما قال تعالى:﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، لذلك آثرتُ أن يكون موضوعُ هذا الاجتماعِ المباركِ مُتمثِّلاً بعُنوانِ :" تَذْكِيرُ أَهْلِ الإِيمَانِ بِحِكَمِ وَفَضَائِلِ القُرْآنِ". 
- إنَّ أجلَّ نِعَمِ الله على الإطلاق: إنزالُه كتابَه العظيمِ على عبده ورسولِه الأمين محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا حمد اللهُ نفسَه، وفي ضمنه إرشادُ العبادِ لِيحمَدُوه على إرسالِ الرسولِ إليهم، وإنزالِ الكتابِ عليهم، كما قال سبحانه:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا* قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾[الكهف: 1-3].
- وقد وصف اللهُ كتابَه العظيمِ بِوَصْفَينِ يَدُلاَّنِ على أنَّه كاملٌ من جميع الوجوه وهما: - نفيِ العوج ، - وإثباتِ أنه مستقيم.
* فنفي العوج: يقتضي أنه ليس في أخباره كذبٌ، ولا في أوامره ونواهِيه ظلمٌ ولا عبثٌ.
* وإثبات الاستقامة:" قَيِّمًا": يقتضي أنه لا يُخبرُ و لا يأمرُ إلاَّ بأجَلِّ الإخبارات، وهي الأخبارُ التي تملأ القلوبَ معرفةً وإيماناً ورحمةً وعِلمًا: كالإخبار بأسماء الله وصفاتِه وأفعالِه.
- ومنها الغيوبُ المتقدمة والمتأخرة.
- وأنَّ أوامرَه تُزكِّي النفوسَ وتطهِّرُها، وتنميها وتُكمِّلُها، لاشتماله على كمال العدلِ والقسطِ والإخلاصِ، والعبوديةِ لله ربِّ العالمين وحده لا شريك له .
* هذا القرآنُ الكريم: قد اشتمل على كلِّ عملٍ صالحٍ موصلٍ لِما تستبشرُ به النفوسُ، وتفرَحُ به الأرواحُ في الدنيا بالسعادةِ والطمأنينةِ، وفي الآخرة بالجنةِ ورضوانِ الله . أوامرهأوامره ونواهيهننننتنمنكممنننن*/كح

* ومَنْ أراد أن ينتفعَ بالقرآن الكريم:
 فليأتِ إليه بقلبٍ سليمٍ، بقلبٍ خالصٍ، بقلبٍ يتقي اللهَ ويخشاه، فالتقوى في القلب: هي التي تُؤهِّلُهُ للانتفاعِ بهذا القرآن، وعندئذٍ يتفتحُ القلبُ عن أسرارِه وأنوارِه، ويُسْكِبُهَا في هذا القلبِ الذي جاء إليه مُتَّقِيا: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2].
* الناس عادة لا يتركون عاداتهم في وقت واحد، ولا ينقادون لجميع الأحكام في وقت واحد :
- لذا فَطمَ القرآنُ الكريمُ الكفارَ عن الشرك: وأحيا قلوبَهم بنور الإيمان أوَّلاً.
- وغرسَ في نفوسِهم حُبَّ اللهِ ورسولِه، والإيمانِ بالبعث والجزاءِ ثانيًا.
- ورغَّبهم في الجنة، وحذَّرهم من النار، ورغَّبهم في الأعمال الصالحة بالفضائل، ودعاهم إلى أحسن الأخلاق ثالثا.
- ثم انتقل بهم إلى العبادات: فبدأهم بالصلاة التي تَصِلُ المخلوقَ بخالقه، ثم ثَنَّى بالصوم، والزكاة التي تربط المخلوق بالمخلوق، ثمَّ ختم بالحجِّ في السنة التاسعة من الهجرة.....وهكذا.
- وكذا فعل في العادات المتوارثة عندهم: زجرهم أولا عن الكبائر والفواحش، ثم نهاهم عن الصغائر تدرُّجا، وحرَّك نفوسهم وعواطفهم وعقولهم للمحاسن والفضائل، كلُّ ذلك كان في كتاب الله الكريم.
* فالقرآن العظيم: كتاب كريم.. حكيم.. مجيد.. عزيز.
* أحسنُ كُتبِ اللهِ نِظامًا، وأحسنُها بيانًا، فيه تبيانُ كلِّ شيء، وتفصيلُ كل شيء.
* وفيه ذكرُ أعلى شيءٍ وأدنى شيءٍ مِنَ: الأقوالِ والأعمالِ والأحوالِ والأشخاصِ والمنازلِ.
*يَهُزُّ القلوبَ التي تَتَفَتَّحُ له، ويَرْجُفُ الفؤادُ مِنْ مَوَاعِظِهِ وآياتِه، بل يتأثرُ منه الصخرُ الجامدُ لوْ تنزَّلَ عليهِ كما قال سبحانه: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[الحشر:21]
* وقد كانت الكتبُ السماويةِ السابقةِ أمانةً في أعناقِ البشر: لِيَحفظوها ويعملوا بها، ولكنَّهم ضيَّعوها، وحرَّفوها وبدَّلوها وَكَتمُوها، ولم يعمَلوا بها: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79]
- أمَّا القرآن الكريم: فقد تكفَّل الله بحفظه : كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر:9]
* فاللهُ تبارك وتعالى حَفِظَ كتابَه، وحَفِظَ مَحَلَّه، وحفظهُ مِنَ الزيادة وَمِنَ النقصان، وَحَفِظَهُِ مِنَ التبديل والتغيير، وحفظَ ألفاظَه مِنَ التبديلِ وحفظَ معانيهِ مِنَ التحريفِ والتغيير: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾[فصلت: 41-42].
* وسيبقى القرآنُ إلى يومِ القيامةِ محفوظاً مِنْ أَيِّ عبثٍٍ بشريٍ، أو أيِّ تدخُّلٍ مِنْ أيِّ جهةٍ كانت مهما بُذِلَت مِن محاولات، ومهما دَبَّر مُدبِّرٌ
* فإنَّ أحدا لن يستطيع أن يمسَّ القرآن بسوء، لأنَّ الله حفظه وحاميه.
·      * فقد يسَّرهُ سبحانه للذِّكر: حتَّى استظهرَه صِغارُ الصبيان، وضمِنَ حفظَه من تطرُّقِ التَّغيُّر إليه والحَدَثَان، فهو محفوظ بحمد الله وفضلِه ما اختلف الليلُ والنهارُ ووفَّق للاعتناءِ بعلومه مَنِ اصطفاهُ مِنْ أهلِ الحِذق والإتقان، فجمعوا فيها مِن كلِّ فنٍّ ما ينشرح له صدرُ أهل الإيقان.
·       
* وقد أنزل الله القرآن تذكرة للعالمين: لِيُذَكِّرَ الناسَ بالصراط المستقيم، لِيُعَلِّمَهم طريقَ العبادة، والحياةَ الآمنةِ الطيِّبةِ في الدنيا والآخرة، فالقرآن موجودٌ لكلِّ من أراد أن يتذكَّر:
- فَمَنْ أرادَ الاستقامةَ وطلبَها: فالقرآنُ مُذكِّرٌ له، فإذا أخذتَ القرآنَ وبدأتَ تَدْرُسَ تعاليمَه بهدفِ الاستقامةِ، هداك اللهُ إلى الصراط المستقيم.﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾[التكوير:27-28].
* وقد كان المجتمعُ البشري قبل نزولِ القرآنِ مملوءًا بكثيرٍ من الأدواءِ: من حُروبٍ وقتلٍ وتشريدٍ وظلمٍ وطغيانٍ وفسادٍ وفجورٍ واستعبادٍ وفُرقةٍ بين الناس: القويُّ يأكلُ الضعيفَ، والدُّنيا لمِنْ غَلب، وما كان لله من الطاعةِ والعبادةِ تَوَجَّهُوا بِهِ إلى الأصنامِ وإلى الأوثان.
* فلمَّا أرادَ اللهُ شفاءَ الأُمَّةِ مِنْ هذِه الأدواءِِ والأمراضِ والضلال: أرسل اللهُ عبدَهُ ورسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العالمَين بهذا القرآنِ، لِيشْفيَ البشريةَ مِنْ أَسْقامِها ويُنقِذَها مِنَ الشَّقَاءِ الذي تعيشُ فيه كما قال سبحانه: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82].
* فَشفَى اللهُ البشريةَ بنزولِ القرآنِ: وَاسْتقرَّ منهجُ اللهِ في الأرضِ وحكّم سَيْرَ الحياةِ في أجملِ وأحسنِ قرونِ البشريةِ في عهدِ النَّبي صلى الله عليه وسلم وخلفائِه الراشدين، ثمَّ توَالتِ الرحماتِ مِنْ ربِّ العالمين لِتمنعَ الشقاءَ عنِ الأمةِ وكان النصرُ وكانت العزَّةُ لمنْ تمسَّكَ بهذا الدين.
* فإذا حدثتِ الغفلةُ، وابتعدَ الناسُ عن المنهج الرباَّني: جاءت داءاتٌ وأمراضٌ جديدةٌ، ومصائبُ ثقيلةٌ، فإذا عادَ الناسُ إلى المنهجِ وإلى تحكيمِ كتابِ الله وسنةِ رسولِه، جاءَ الشِّفاءُ وزالَ الوباءُ وجاءت الرحمةُ من عندِ الله ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾[الأعراف: 96]
* ولم يجالس هذا القرآنَ أحدٌ إلاَّ قامَ مِنهُ بزيادةٍ أو نقصانٍ: كما قال سبحانه: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾[الإسراء: 82]، وقال سبحانه: ﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ﴾[البقرة: 26].
* والإنسانُ إذا قرآ القرآنَ وكرّرَهُ، مِنْ غَيرِ فَهْمٍ ولاَ عَمَلِ، أو تَلاَ كِتَابَ اللهِ لمجردِ التلاوةِ وَيُعطِّلُ أحكامَهُ: كمثل الحمار يحمل أسفارا، فَكيفَ حالُ مَنْ لاَ يقرأُهُ ولاَ يهتمُّ بهِ: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[الجمعة: 5].
* إنَّ العارفَ حقاً: هو الذي يقرأُ القرآنَ لأجلِ أنْ يتلقىَ كلامَ ربِّ العالمين، لِيعملَ بمقتضاهُ، ويُنفِّذَ وصاياهُ، وَيفرَحَ به أعظمَ فرحٍ، وبذلك تنفتحُ له كنوزُ العلمِ والمعرفةِ، وتحصُلُ له بركاتُهُ، ويتيسرُ لهُ العملُ به، دون مشقَّةٍ أو تكلُّف، بل يستلذُّهُ ويتمتعُ به، وَيُضحِّي بكلِّ شيءٍ من أجْلِهِ، ويظهرُ أثرُهُ على قلبهِ، وَروحِه وجوارحِه .
* فالقرآنُ العظيم: بصائرُ لجميعِ الناس، وهدًى وشفاءٌ ورحمةٌ وموعظةٌ: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾[آل عمران: 138].
* فاللهُ عزّوجلَّ هوَ الهادي، وكتابُه هو الهدى الذي: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[المائدة: 16]
* وَيهدِي بهِ على لسانِ رسولِه صلَّى الله عليه وسلم إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيم.
* فالقرآنُ الكريم: هو الشفاءُ التامُّ مِنْ جميعِ الأمراضِ القلبيةِ، والبدنيةِ، وأمراضِ الدنيا والآخرة:
* فمَا مِن مَرضٍ من أمراضِ القلوبِ والأبدانِ إلاَّ وفي القرآنِ سبيلُ الدَّلالةِ على دوائِهِ وشفائهِ، لِمَنْ رزقهُ اللهُ فَهْمًا في كتابِه. فلاَ أنفعَ و لاَ أعظمَ ولاَ أنجعَ في إزالةِ الأدواءِ من القرآن الكريم .
* ولاَ شيءَ أنفعَ للعبدِ في معاشِهِ ومعادِهِ وأقربَ إلى نجاتِهِ مِنْ تدبُّرِ القرآنِ، وإطالةِ التأمُّل فيهِ، وجمعِ الفكرِ على معاني آياته:
* فآيات القرآن:
 -  تُطلعُ العبدَ على معالمِ الخيرِ والشرِّ بحذافرِهِما .
- وتُريهِ طرقَهُمَا وأسبَابَهما وغاياتَهُما وثمراتِهِما ومآلَ أهلهِما.
 - وتضعُ في يدهٍ مفاتيحَ كنوزِ السعادةِ والعلومِ النافعة.
- وتثبتُ قواعدَ الإيمانِ في قلبهِ.
- وتُشَيِّدُ بنيانَ الدينِ على جسدِهِ.
- وتُريهِ صُورةَ الدنيا والآخرةِ، وصُورةَ الجنةِ والنارِ في قلبه .
* وآياتُ القرآن:
- تحضرُ العبدَ بين الأممِ، وتُريهِ أيامَ اللهِ فِيهِم، وَتُبَصِّرُهُ بِمَواقِعَ العِبرِ، وتُشْهِدُهُ عدلَ الله وإحسانَه، وفضلَه .

* وآيات القرآن الكريم:
 - تُبصِّرُ العبدَ بحدودِ الحلالِ والحرامِ.
- وَتَهْديهِ في ظُلَمِ الآراءِ إلى سواءِ السبيل.
- وَتصُدُّهُ وَتُبعِدهُ عن اقتحامِ طُرقِ البدعِ والأضاليلِ.
 - وَتبعثُهُ عَلَى الاِزديادِ مِنَ النِّعمِ بشُكرِ ربِّه الجليل.
 - وَتُثَبتُ قلبَه عنِ الزيغِ والميلِ عن الحق.
- وتُنادِيهِ كُلَّما فَتَرَتْ عزماتُه لِيلحقَ بالرَّكبِ الكريم.
- فاللهُ سبحانه أنزلَ الكتابَ بالحقِّ، وهو الحقُّ الذي يدعو إلى الحقِّ: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾[فاطر: 31].
- وآيات الله في كتابه كذلك :تحثُّ العبدَ على التزوُّدِ لمعادِهِ، وتُحذِّرُهُ وتُخوِّفُهُ مِنَ العذابِ الأليمِ، وَتُوقِفُهُ علىَ مَا أَعًدَّ اللهُ لأوليائِهِ مِنْ دارِ النَّعيمِ المطلقِ، وَمَا أَعَدَّ لأعدائِهِ مِنْ دارِ العقابِ الوبيل.
* هذا القرآن الكريم: يُعرِّف الناسَ بِربِّهِم، فيعرِفونَ ذاتَه، ويعرفونَ أسماءَه وصفاتِه وأفعِاله وما يحُِبُّهُ وما يُبغِضُهُ،  ويعَرِّفُهم صراطَه الموصلُ إليه، وما لسالكيهِ بعدَ القدومِ عليه، مِنَ الكرامةِ.
-  ويُعرِّفُهم القرآنُ في مقابل ذلك ثلاثَ ضِدِّها:
- مَا يَدعُو إليه الشيطانُ، والطريقُ الموصلُ إليه، وما للمستجيبِ لدعوةِ الشيطانِ مِنَ الإهانةِ والعذابِ في النار.
* فهذه الأصولُ لابُدَّ للعبدِ مِنْ مَعرِفَتِهَا، لِيمَيزَ بينَ الحقِّ والباطلِ في كُلِّ ما اختلف الناسُ فيهِ، فَتُريهِ الحقَّ حقًا، والباطلَ باطلاً، وتُعطِيهِ فرقانًا ونورًا يُفرِّقُ بهِ بينَ الهُدَى والضلالِ والغَيِّ والرَّشادِ.
* ولهذا ينبغي أن يكون هذا الكتابُ العزيز كتابَ الذِّكرِ والوعظِ:﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾[الأنبياء: 50]
- وأن يكون كتاب التعليم، كما قال سبحانه:﴿ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾[أل عمران:79]
- وأن يكون كتاب العمل، كما قال سبحانه:﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[الأنعام: 155]
- وأن يكون كتاب الدعوة إلى الله، الذي يعتمد عليه الدعاة إلى الله قبل الاتجاه إلى مصدر سواه.
- والذي ينبغي لهم بعد ذلك أن يتعلموا منه، كيف يدعون الناس إلى ربهم؟ وكيف يوقظون القلوب الغافلة؟ وكيف يحيون الأرواح الخامدة؟ وكيف يلينون القلوب القاسية؟
* ولهذا أمرنا اللهُ بِتدبُّرِ القرآنِ، والتفكُّرِ في آياتِهِ، والعملِ بما فيه والمداومةِ على تلاوتِه، وحُسْنِ الاستماعِ لهُ، كما قال سبحانه: ﴿وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[الأعراف: 204].
* إنَّ الاستماعَ لهذا القرآنِ، والإنصاتِ له، هو الأليقُ بجلالِ هذا القولِ، وبجلالِ قائلِه سبحانه، وإذا قال الملِك ُالجبارُ الرحمنُ الرحيمُ، كلامًا يُوجِّهُ فيه عبادَه إلى ما ينفعُهم ويحذِّرُهم مِمَّا يضُرُّهُم، ويُعَرِّفُهُم بعظمتِهِ وجلالِهِ، ويُذَكِّرُهُمْ بآلائِهِ ونِعَمِهِ، أَفَلاَ يستمعونَ ويُنصِتُون لعلهم يُرحمون؟؟
- ألا ما أعظم الخسارةَ البشريةَ حين يُعرِضُون عن هذا القرآن الكريم؟
- إنَّ الآيةَ الواحدةَ منهُ، لَتصنَعُ أحيانًا في النفسِ حينَ تَستمعُ لهُ وتُنصِتُ أعاجيبَ من التأثُّرِ والاستجابةِ والطمأنينةِ والراحةِ ما لاَ يُدركُهُ إلاَّ مَنْ ذاقَ ذلكَ وَعَرَفَهُ: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[الأنفال: 2]
* إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى كمَا أنزلَ مِنَ السَّماءِ ماءً طهورًا يغسِلُ وجهَ الأرضِ بالماءِ الطَّهورِ الذي يُنشئُ الحياةَ في المواتِ، ويَسقي الأناسيَ والأنعامَ.
 * كذلك هوَ سبحانهُ أنزلَ القرآنَ لِتطهيرِ القلوبِ والأرواحِ وإحياءِها: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا﴾[الفرقان: 48-50].
* فَوَاعَجَبًا لهؤلاءِ البشرِ كيفَ يَستبْشِرونَ بالماءِ المُحييِ للأجسامِ ولا يَستبْشرونَ بالقرآنِ المُحْييِ للقلوبِ؟؟
* فهذا القرآنُ العظيم: مَنْ أَنْزَلهُ؟ ومَنْ أَحْكَمَهُ؟ وَمَنْ فَصَّلَهُ؟
﴿الَركِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾[هود:1]
* لقد تضمنتْ آياتُ كتابِ الله: أمَّهاتُ العقيدةِ وأصولِها التي جاء القرآنُ يقرِّرُها ويقيمُ عليها الأمةَ وهي:﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ * إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[هود:2-3].
- ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ : فهو توحيدُ العبوديةِ والطاعةِ للهِ سبحانه.
- ﴿ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ : فهي الرسالةُ وما تضمَّنتْهُ مِنْ بِشَارَةٍ ونَذَارَةٍ.
-﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ : فهي العودةُ إلى اللهِ مِنَ الشِّركِ والمعصيةِ إلى التوحيدِ والطاعةِ.
-﴿ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ: فهوَ الجزاءُ للتائبينَ المستغفرين .
- ﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ: فهو الوعيدُ للمتوَلِّين.
-﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ: تقريرُ الرجعةِ إلى الله في الدنيا والآخرة .
- ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: فهي قدرةُ اللهِ المطلقةِ، والسلطانُ الشاملُ على الكَوْنِ ومَا فِيهِ .


* هذا هو كتاب الله، وهذه هي الأصول التي يدعو إليها:
إيمانٌ وتوحيدٌ، وبِشارةٌ ونذارةٌ، وعبادةٌ ودعوةٌ، واستغفارٌ وتوبةٌ، وثوابٌ لأهلِ الطاعةِ، وعقابٌ لأهلِ المعصيةِ، وعودةٌ إلى اللهِ القديرِ لِيَحكُمَ بين العبادِ.
* وقد بيَّن اللهُ عزَّ وجلَّ كذلك في القرآنِ أصولَ الأخلاقِ التي تُحقِّقُ السعادةَ في الدنيا والآخرة، وزيَّن بها أفضلَ خلقِهِ وأحسنَهُم وأجملَهم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، فكان أحسنَ الناسِ خَلْقًا وخُلُقًا، لأنَّ خُلُقَه القرآن، يتأدَّبُ بآدابِه، ويُحِلُّ حلالَه، ويُحرِّم حرامَه، ويعمَلُ بأوامرهِ، ويجتنبُ نواهيهِ، ويَتخلََّقُ بأخلاقِهِ.
* كما نهى العبادَ عنْ رديءِ الأخلاقِ وسيِّئِهَا.
* وقد بيَّنَ اللهُ عزَّوجلَّ في القرآنِ أصولَ دعوةِ  الأنبياءِ بالتفصيلِ: وبيَّنَ كيفيةَ عرضِ الإسلامِ على الأفرادِ والأُمَمِ والحُكَّامِ وعلى الأقوياءِ والضعفاءِ وعلى الأ أغنياءِ والفقراءِ وغيرِهم .
* فعلىَ المسلمِ أن يُقيمَ ألفاظَ القرآنِ بحُسن تلاوته.
* وعلى معانيهِ بالفِكَر والاِعتبارِ.
* وأن يعملَ بالقرآنِ في جميعِ شُعَبِ الحياة.
* وأن يجتهدَ على الدعوةِ إلى القرآنِ وإبلاغِه البشريةَ في أنحاءِ الأرض، كما قال سبحانه: ﴿هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾[إبراهيم: 52].
* والناس في ذلك متفاوتون: وكُلٌّ له مِنْ ذلك نصيب، وَأكمَلُهم وأعرفُهم بكتابِ اللهِ، الذي جمَعَ اللهُ فيه علمَ الأوَّلينَ والآخِرين، ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾[الجاثية: 6].
* فمَا أظلمَ المُعرِضين عنه؟ وَمَا أشدَّ عقوبتَهم؟: ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ *يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾[7-9].
* وعمل القلب ودَوْرُهُ عند تلاوة القرآن:
- أن يستحضرَ عظمةَ المتكلِّمِ به، وهو اللهُ تباركَ وتعالى .
-ويفهمَ عظمةَ كلامِه سبحانه.
- وأن يحضُرَ قلبُه وَيترُكَ حديثَ النَّفسِ عندَ تلاوتِه.
- و أن يتدبرَ ما يقرأ، وَيفهمَ مِنْ كلِّ آيةٍ ما تحملُهُ مِنْ أحكامٍ، ويتخلى عن موانعِ الفهم، وأن يُقَدِّرَ أنَّه هو المقصودُ في كُلِّ خطابٍ في القرآن.
- فإن سمِعَ أمرا أو نهيا قَدَّر أنه هو المأمورُ والمنهيُّ، وإنْ سَمِعَ وَعْدًا أو وعيدًا فَمِثْلُ ذلك، وإنْ سَمِعَ قصصَ الأنبياءِ عَلِمَ أنهُ المقصودُ لِيعتبرَ ويتأثرَ قلبُه، بآثارِ مختلفةٍ حسبَ الآيات المتلُوَّةِ:
* فيكون له بحسبِ كُلِّ فَهْمٍ حالٌ مِنَ الخوفِ والرجاءِ والحُزنِ ونحوِ ذلك.
* والقرآنُ الكريمُ أنزلَهُ اللهُ هدًى للنَّاس: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ﴾[البقرة: 26] .
- فَمَنْ سَمِعَهُ وأطاعَ اللهَ: أفلح، وَمَنْ سَمِعَهُ فعصىَ اللهَ: شقي.
 - وَ اللهُ أعلمً بمن يَصْلُحُ لدارِ كرامتِه وَمَنْ يَصْلُحُ لدارِ إهانتِهِ.
* فالقرآن الكريم: سمِعه أبو بكرٍ رضي الله عنه فصارَ صِدِّيقًا،
- وسَمِعَه مسيلمةُ فصارَ كذَّابًا،
- وسمِعَه عمرُ رضي الله عنه فصارَ فاروقَ هذه الأمة،
- وسمِعهُ أبو جهلٍ فصارَ فرعونَ هذه الأمة،
- وسمِعهُ أبو عبيدةَ رضي الله عنه فصارَ أمينَ هذه الأمة،
- وسمِعهُ سعدُ بنُ معاذٍ فصارَ مِنَ المُهتدين، واهتزَّ لموتهِ عرشُ الرحمن، -وسمِعهُ عبدُ الله بنُ أُبَيّ فصار أكبرَ المنافقين.
* والله أعلم حيث يجعل رسالته، وهو أعلن بمن يصلح لولايته.
*- والمعمول والمقصود: سَمِعنا وأطعْنا، ليس سمعنَا وعصيْنا، ولا سَمِعناَ فقط: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[التغابن: 16].
* كتبَ اللهُ عزَّوجل في هذا القرآنِ، الهدى والنورَ، والموعظةَ والبيانَ والشفاءَ: والمُتقونَ هُمُ الذينَ يَجِدونَ في كُتُبِ اللهِ الهدى والنورَ والموعظةَ، وَهُمُ الذين تنفتحُ قلوبُهُم لمِاَ في هذهِ الكتبِ مِنَ الهدى والنورِ والموعظةِ.
- أمَّا القلوبُ القاسية: القاسيةُ الغليظةُ الصَّلدةُ، فلا تبلغُ إليها الموعظةُ، ولا تذوقُ حلاوتَها، ولا تسمعُ لِتوْجِيهَاتِها، ولا تَنفتحُِ مِنْ هذا الهدى، ومِنْ هذا النورِ بهدايةٍ ولا معرفةٍ ولا تقبلُ ولا تستجيبُ.
* إنَّ النورَ موجودٌ: ولكن لا تُدرِكُهُ إلاَّ البصيرةُ المفتوحةُ، وإنَّ الهدى موجودٌ، ولكن لا تُدركُه إلاَّ الروحُ المستشرفةُ، وإنَّ الموعظةَ موجودةٌ، ولكن لاَ يلتقِطُها إلاَّ القلبُ الواعي .
* وقد بيَّن الله عزوجل في القرآن كُلَّ شيءٍ في أصولِ الدينِ أحكامِه، وفي أحكامِ الدنيا والآخرة، وَكُلَّ ما يحتاجُ إليهِ العبادُ فهو مُبَيَّنٌ فيهِ أتَمَّ تَبْيينٍ كما قال سبحانه: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾[النحل: 89] .
* فَلمَّا كانَ القرآنُ الكريمُ تِبيانًا لِكُلِّ شيءٍ صارَ حُجَّةَ اللهِ علىَ العبادِ كلِّهم، فانقطعت حجةُ الظالمين وانتفعَ بهِ المسلمون فصارَ هدًى لَهُم يهتدونَ بهِ إلى أمْرِ دِينِهِم ودُنيَاهُم، ورحمةً ينالون بها كلَّ خيرٍ في الدنيا والآخرة، قال تعالى:﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾[الزمر: 23].
-           * و اللهُ سبحانه بمنِّه وكرمه، دَلَّ عبادَه على أربحِ تجارةٍ وأزكاها، وأفضلِ صفقةٍ وأعلاها، وهي التجارةِ التي وصفَهَا المولىَ عزَّ وجلَّ بعدمِ البوارِ فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾[فاطر: 29 -30] .
·      أعمالٌ عظيمة، وعباداتٌ جليلة، تحقيقُها فوزٌ بهذه التجارةِ التي يكون ربحُها مضمونًا ودائمًا وأيُّ ضمانٍ أوثقُ، وأيُّ ضمانٍ أصدقُ مِنْ ضمانِه جلَّ وعلا الذي ضَمِن عدمَ بوارِها، فهي:" لن تبور": لن تكسِدَ، ولن تتعطَّل ولن تخسر وتهلك.
·      وإنَّ أول أعمال هذه التجارة، والصفقة الرابحة هي: تلاوة كتاب الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ﴾، ولهذا كان مطرِّفُ بنُ عبدِ الله يقول: " هذه آيةُ القرَّاء ".
·      ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ﴾: يُداوِمُون على قرآتِه وتلاوتِه، يتَّبعونَه في أوامِره فيَمتثلُونها، وفي نواهيه فيتركونها، وفي آخبارِه فيُصدِّقونها ويعتقدونها، ولا يُقدِّمونَ عليهِ ما خالَفَهُ مِنَ الأقوالِ، وهذه هي حقيقة: النصيحة لكتاب الله.
·      فكان حقًّا نورا لقلوبهم الذي لا تستضيءُ إلاَّ به، وحياةُ الأرواحِ الذي تتوقَّف الحياة الحقيقية عليه.    
·      *****************
* لأجل ذلك لذلك عَمَدْتُ إلى تذكيرِ إخواني المؤمنين بشيءٍ مِمَّا وَرَدَ في فضلِ كتابِ ربِّنا مِنْ أحاديث نَبِيِّنا صلَّى اللهُ عليه وآله وسلم، وفضلِ حامليهِ، وشيءٍ مِنَ الآدابِ التي ينبغي أن يتحلَّى بها حامِلوه، لعلَّنا جميعًا نُقبِلُ عليه بعدَ هُجرانٍ، ونَحْفظُه بعدَ إنساءِ الشيطانِ له في القلوب، ونتدبَّرُ ونعملُ به قبلَ فواتِ الأوان، ونقومُ به آناءَ اللَّيلِ والنهارِ، فهوَ نورٌ للأبصار، وشِفاءٌ لما في الصدور، وهدى ورحمةٌ للمؤمنين، إنَّه جلاءٌ للأحزانِ ودواءٌ للأبدان، وربيعٌ للقلوب، وذهابٌ للهمومِ والغُمومِ.

* هو أصدقُ كتابٍ، وأحسنُ حديثٍ، وخيرُ كلامٍ،  إنَّهُ مُهيْمنٌ على الكُتبِ مِنْ قبلِه، وقائِدٌ لمِنْ تَبِعَهُ إلى جناتِ النَّعيم، إنَّهُ مُنْجِي مِن َالنِّيرانِ، وَمُنقِذٌ مِنَ الخُسرانِ، وشفيعٌ لِحَمَلَتِهِ يومَ يقومُ الأشهادُ، إنَّهُ مؤنسٌ في القبورِ، وشفيعٌ لِحَملتِه يومَ البعثِ والنشورِ، وَهادِيًا إلى سبيلِ السَّلامٍ .
فَإلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الفضائلِ وقَبسٍ مِنْ تلكَ الآدابِ، واللهُ المستعانُ، وما توفيقي إلا بالله:

* 1- أهلُ القرآنِ وَمُعلِّمُوهُ: هُمُ الرَّبَّانِيون *:
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُون﴾ [آل عمران: 97].
* 2- مُتَعلِّموا القرآنِ وَمُعَلِّمُوهُ: هُمْ خَيرُ النَّاسِ *:

روى البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه" .
وفي لفظ آخر "إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلَّمه" .

* فالعملُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ غايتِه، وتعلُّقُ المؤمنِ بكتابِ الله، يجعلُه أفضلَ الأعمال. فالحديث يندُبُ كلَّ مسلمٍ إلى أن يُحقِّقَ هذه الخيريةَ بتعلُّمِ القرآن، وتعليمِه بقدرِ المستطاع، حتَّى ولو بتعليم بعضِ سُوَرِه أو آياتِه خدمةً لكتابِ الله، ونشرا له، وخدمةً لنفسهِ بالمشاركةِ في الثواب والأجر، وهو من جملةِ مَنْ عَنِيَ سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
قال القرطبي :[ قال العلماء: تعليم القرآن أفضلُ الأعمال، لأنَّ فيه إعانةً على الدين، فهو كتلقين الكافر الشهادةَ ليُسْلِمَ ]
قال النووي -بتصرف-:[فتعليمُ آياتِ القرآن من الآثار الحسنةِ التي تُكتبُ في ميزانِ مُعلِّم القرآن، لأنَّه كان السببَ المباشر في تعليمها، ولذلك قال الله تعالى: " وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ" أي: نكتب أعمالَهم التي باشروها بأنفسهم، والتي تسبَّبوا فيها بإتيان غيرهم لها، ويشهدُ لهذا قوله صلى الله عليه وسلم:" مَنْ سَنَّ في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرُها، وأجرُ مَنْ عَمْلَ بها بعدَه من غير أن يَنقصَ مِنْ أجورِهم شيءٌ" ].ا.هـ

* 3- إِكْرامُ حاملِ القرآن ِفي الدنيا *:

أخرج مسلم عن عامرِ بنِ واثلةَ أن نافعَ بنَ الحارث لَقِيَ عمرَ بعسفانَ وكان عمرُ يستعملُه على مكة، فقال: مَنِ استعملتَ على أهلِ الوادي؟ فقال: ابنُ أبزى. قال: ومَنْ ابنُ أبزى؟  قال: مولىَ مِنْ مَوالينا، قال: فاسْتخْلَفْتُ علَيهِم مَولَى؟ قال: إنَّهُ قارئٌ لكتاب الله عز وجل, وإنه عالم بالفرائض.
قال عمر: أمَا إنَّ نبيَّكُم صلى الله عليه وسلم قد قال: [ إنَّ اللهَ يرفعُ بهذا الكتابِ أقوامًا ويضعُ به آخرين ].
- هذا هو أثر القرآن في حامليه، العالمين بأحكامه، رفيع القدر، عظيم المنزلة، يفوق غيره، وإن كان أشرف منه نسبا أو أعظم جاها.
* قال ابن حجر:" وفيه فضيلةٌ ظاهرةٌ لقارئِ القرآن، ويُلحَقُ به أهلُ الفقهِ والزهدِ وسائرِ وجوهِ الفضل ".
- وفي الحديث إيحاءٌ قويٌّ، بأنَّ المسلمَ لا ينبغي لهُ في أيِّ حالٍ مِنَ الأحوالِ أن ينصرفَ عنِ القرآنِ، فإنَّ ذلكَ سببٌ للضعةِ والشَّقاء، فقال صلى الله عليه وسلم: : [ إنَّ اللهَ يرفعُ بهذا الكتابِ أقوامًا ويضعُ به آخرين ].
- فَمَنْ لم يعمل بأحكام القرآن، ولم يأتمر بأمره، ولم ينته بنهيه، فَمِثْلُ هذا يضعه الله في الدنيا والآخرة ولابدَّ أن يكون أمره خسرا، حتَّى لو فرض أنَّ الدنيا دانت له، وتزخرفت، فإنَّ مآله إلى خسران والعياذ بالله.

* 4- وَحملةُ القُرآنِ هُمْ الأئمةُ المُقَدَّمونَ في الصَّلَوَاتِ *:

أخرج مسلم عن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ يَؤُمُّ القومَ أقرؤُهُم لِكتابِ اللهِ، فَإنْ كانوا في القراءةِ سواءً فأعلمُهم بالسُنُّة, فإن كانوا في السُّنَّةِ سواءً فأقدمُهم هِجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سِلما ..]، وفي لفظ:[ فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمُّهم أكبرُهم سنًا ].

* 5- عُلُوُّ المنَازِلِ وَارْتِفَاعِ الدَّرَجَاتِ في الآخِرَةِ لِحَمَلَةِ القُرْآنِ *

- قال الله تبارك وتعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [ المجادلة : 11].
- وروى أبو داود والترمذي بسند حسن وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ يُقالُ لِصاحِبِ القُرآنِ: اِقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنيَا، فَإنَّ مَنزِلَتَكَ عندَ آخِرِ آيةٍ تقرؤُهاَ ] .

* فيه بيان كرامة أهل القرآن، وفضل العاملين به، وذكر ما أعدَّه الله لهم حين دخول الجنة، من المكانة، ورفعة المنزلة، وعلوِّ الدرجات عند الله تعالى، من أعظم الحوافز في تحفيز همم المؤمنين أهل القرآن، ودافعا لهم إلى الإقبال على القرآن وتعاهده.

* وقد وردت في السنةِ النبوية كثيرٌ من أوجهِ الكرامةِ وعُلُوِّ الدرجةِ في الجنةِ لحافظِ القرآنِ، منها: أنهُ يُلبسُ تاجُ الكرامةِ، وحُلَّةُ الكرامةِ، ويفوزُ بالرضا مِنَ اللهِ تعالى:
ما أخرجَهُ الترمذي بسندٍ حسنٍ عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه عنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:[ يَجيءُ صاحبُ القرآنِ يومَ القيامةِ، فيقولُ: ياربِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجُ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يقولُ ياربِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةُ الكرامةِ، ثمَّ يقولُ: ياربٍّ أرضَ عنه: فيقالُ له: اِقرأْ وارْتَقِ ويُزادُ بكُلِّ آيةٍ حسنة ] .

* 6- فَضلُ تَعَلُّمِ آيةٍ أو آيتينِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ كُنوزِ الدُّنيا *

أخرج مسلم عن عُقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصُّفة (1) فقال:[ أيُّكم يحِبُّ أنْ يغدو (2) كلَّ يومٍ إلى بُطحانَ (3) أوْ إلى العَقيقِ (4) فيأتي مِنه بِناقتينِ كَوْمَاوْينِ (5) ، زَهْرَاوْيْن ِ6 في غيرِ إثمٍ ولاَ قطعَ رحِمٍ؟" فقلنا: يا رسولَ الله! نحِبُّ ذلك. قال:" أفلاَ يغدو أحدُكم إلى المسجدِ فيَعلمَ أو يقرأَ آيتينِ مِنْ كتابِ الله عزَّ وجلَّ خيرٌ لهُ مِنْ ناقتين، وثلاثٌ خيرٌ له مِنْ ثلاثٍ. وأربعٌ خيرٌ لهُ مِنْ أربعٍ, وَمِنْ أعدادِهِنَّ مِنَ الإبلِ؟".
- والمعنى: أنَّ تعلُّمَ الآيتين خيرٌ له من ناقتين، وثلاث من الآيات خيرٌ له من ثلاث من الإبل، وأربعٌ خيرٌ بمسجدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأوي إليه فقراءُ المهاجرين وهمُ الذين أُطلق له من أربع من الإبل.
1- الصُّفُّة: هي موضعٌ مظلَّلٌ عليهم أهل الصُّفَّة.
2- يغدو: يذهبُ أولَّ النهار.
3- بطحان: موضعٌ قرب المدينة.
4- العقيق: وادٍ بالمدينة . وخصَّهُما بالذِّكر: لأنهما أقربُ المواضعِ التي يُقام فيها أسواقُ الإبلِ إلى المدينة.
5- كَوْماوَيْن: وأصل الكَوْم العُلُوُّ: أي فيحصل ناقتين عظيمتين السَّنام، وهي مِنْ خَيارِ مَالِ العَرَبِ.
6- زَهْرَاوَيْن: أي سمينتين مائلتين إلى البياض من كثرة السِّمن .

* والحاصل في هذا الحديث: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أرادَ ترغيبَهم في الباقياتِ الصالحاتِ، وَتزهيدَهم في الفانياتِ، فذكَرَ هذا على سبيلِ التمثيلِ والتقريبِ مِنْ أجلِ الفهم، وإلاَّ فجميعُ الدنيا أحقرُ مِنَ أنْ يُقاَبَلَ بمعرفةِ آيةٍ من كتابِ الله تعالى، أو بثوابِها مِنَ الدرجاتِ العلى، وسببُ التمثيلِ بالإبل: أنها كانتْ أعزُّ وأثمنُ أموالِ العربِ في صدر الإسلام لا يملِكُها إلا الأغنياءُ منهم فَرَغَّبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَهُ رضي الله عنهم إلى ما هو أفضلُ من ذلك، بأن يكونَ لهم كثرةُ الحسنات عند الله عز وجل، وأعظمُ من الإبلِ عند أصحابِها في الدنيا، وذلك بأنْ يتعلَّمُوا كلامَ الله تعالى، فَكُلُّ آيةٍ يتعلمُهاَ المسلمُ في ميزانِ حسناتِه، أفضلُ من ناقةٍ عظيمةٍ السَّنام، سالمةُ من العيوب لو تصدَّق بها.  

* 7- فَضْلُ الماهرِ بالقُرْآنِ *

أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ المَاهِرُ بالقرآنِ (1) مَعَ السَّفَرَةِ (2) الكِرَامِ البَرَرَةِ 3, وَالذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ (4) ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لهُ أجْرَان ]
1- الماهر بالقرآن: هو الحاذقُ الكاملُ الحفظ، الذي لا يتوقفُ ولا تشق عليه القراءةُ لجوْدَة حفظه وشدة إتقانه.
2- السفرة: همُ الملائكة، جمع: سافر، والسافر في الأصل: الكاتب، سمي به: لأنَّه يُبيِّنُ الشيء ويوضِّحهُ، ولهذا كان الماهر بالقرآن صار مبيِّناً لجانب مِن شانِ القرآن، وناقلا لِما جاء الرسول مِنْ وحيِ اللهِ بمهارتِه فيه .
3- الكرام: أي المُكرمين عند الله، لأنَّ اللهَ يُكرِمُ حاملَ القرآن، لأنَّهُ يحفِظُهُ في صدرِهِ صَارَ هذا الحافظُ وِعاءً لكتابه، وكتابُهُ مُكَرَّمٌ، فكُرِّم حاملُهُ .
- والتعبيرُ بالبِرِّ: يدلُّ على جٍماع الخير. فكثرةُ قراءة القرآن التي وصلت به إلى مرحلة المهارة، أثمرت حسناتٍ لا تُحصى كثرةً، ارتقت به إلى مثلِ عملهم الذي هو خيرٌ صِرْفٌ .
قال النووي: [ قال القاضي: يُحتملُ أن يكونَ، معنى كونِه مع الملائكة، أنَّ له في الآخرة منازلَ يكون فيها رفيقا للملائكة السَّفرة، لاتِّصافه بصِفتِهم مِنْ حَمْلِ كتابِ اللهِ تعالى، قال: ويُحتملُ أن يرادَ أنَّه عامِلٌ بعملِهِم، وسالكٌ مسلَكَهم ] .
4- يتتعتع فيه: يتردَّدُ في القراءة بمشقَّةٍ وصعوبةِ النُّطقِ، والمعاناةِ في القرآءة،  ولذلك كان له أجران: للقرآة، والتعتعة .

* فهذه بشارةٌ عظيمةٌ لِمَن تعلَّم القرآنَ، وأتقنَ تلاوَتهُ، وأكثرَ منها، حتَّى أصبحَ ماهرًا، فهوَ مع السَّفرةِ لاتِّصافهِ بصِفتهِم، وهي حمْلُ كتاب الله وتبليغِهِ ، ووصول المسلم إلى هذه الدرجةِ يحتاجُ إلى عملٍ وصبرٍ متواصلٍ حتَّى ينالها .
- ومِنْ معالم المهارة بالقرآن: يقول الإمام القرطبي رحمه الله:
[ ولا يكونُ ماهرًا بالقرآن: حتَّى يكونَ عالمًا بالفرقان، وذلك بأنْ يتعلَّمَ أحكامَه، فيفهمَ عنِ اللهِ مرادَه وما فُرِضَ عليه، ويعرفَ المكِّيَ مِنَ المدني، لِيُفَرِّقَ بين ما خاطبَ اللهُ بهِ عبادَه في أوَّلِ الإسلامِ، وما ندبهُم إليهِ في آخِرِ الإسلام، وما افتُرِضَ في أوَّلِ الإسلام، ومازادَ عليهم مِنَ الفرائضِ في آخرِه، ويعرفَ الإعرابَ والغريبَ فذلك الذي يسهلُ عليه معرفةُ ما يقرأُ أو يُزيلُ عنهُ الشكُّ فيما يتلُو، ثمَّ ينظرَ في السننِ المأثورةِ الثابتةِ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فَبِهَا يصلُ إلى مرادِ اللهِ تعالى، وَهِيَ - أي السنة - تفتحُ له أحكامَ القرآنِ فتْحًا ] ا.هـ

- وفي الحديث إيحاءٌ قوي بأنَّ المسلم لا ينبغي له في أيِّ حالٍ من الأحوال أن ينصرفَ عن تلاوةِ القرآنِ، سواءٌ كان مِنَ المهَرةِ المُتقنينَ المُتمكِّنِين مِنَ التِّلاوةِ، أمْ كانَ ضعيفَ القدرةِ على تحصيلِ ذلك فيتخذُ ضُعفَه حُجَّةً في الإعراضِ عن التلاوة .

* 8- مُضاعَفَةُ الحسناتِ على تِلاَوَةِ القُرْآنِ *

روى الترميذي بسند حسن عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: [ مَنْ قَرأَ حَرْفًا مِنْ كتابِ اللهِ؛ فلَهُ به حسنةٌ، والحسنةُ بعشْرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرف ].
- الحديث يُصرِّحُ بأنَّ في تلاوةِ كُلِّ حرفٍ مِنْ كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، عشرُ حسناتٍ، وهذا هوَ أقلُّ التَّضاعفِ الموعودِ بهِ بقوله تعالى: ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء﴾.
* أخرج مسلم عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ مَنْ جاءَ بالحسنةِ فلَهُ عشرُ أمثالِهَا وأزيدُ، ومَنْ جاءَ بالسَّيِّئةِ، فجزاؤُهُ سَيِّئةٌ مثلُها، أو أغفِر ]

- قال النووي: [معناه: أنَّ التضعيفَ بعشْرِ أمثالِها لابُدَّ مِنهُ بفضلِ الله ورحمتِه ووعدِه الذي لا يُخلَف، والزيادةُ بعدُ بِكَثْرَةِ التضعيفِ إلى سَبعمائة ضِعْفٍ وإلى أضعافٍ كثيرةٍ، يحصلُ لبعضِ الناسِ دونَ بعضٍ على حسبِ مَشيئتِه سبحانهُ وتعالى ] .
* 9- شَفَاعَةُ القرآنِ لأَصْحَابِهِ يَوْمَ القْيَامَةِ *

 ما أخرجه مسلم عَنْ أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه أنه قال :سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:[ اِقْرَؤُوا القُرَآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتي يومَ القِيَامَةِ شَفَيعًا لِأَصْحَابِهِ] .
* هذا الحديثُ ترغيبٌ في المداومةِ على قراءةِ القرآن، والانشغالِ به، قد تصدَّره أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم الإرشادي بقوله:"اقرؤوا القرآنَ" واستُتبِع هذا الأمرُ بذكرِ التعليلِ بغرضِ الترغيبِ:" فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعا لأصحابه ":، وهذا جانبٌ من جوانبِ فضلِ القرآن، وهو شفاعته لأصحابه يومَ القيامة، وإضافتُه للقيامة ممَّا يصعِّد الرغبةَ في القرآن، لِعِظم الحاجة إلى الشفيع ذلك اليوم.
-               وتنكيرُ كلمةِ - شفيعًا - للتعظيم: لأنه يومٌ لا يتصدَّى للشفاعةِ للناس فيه إلاَّ لقلَّةٍ من العظماء، ليتذكرَ العبدُ هذا الموقفَ يومَ القيامة، حينما يأتي يوم القيامة وقد يبس منه لسانه، وشخصت عيناه، وبلغ منه الخوف مبلغه؛ لأن الجميع يخاف، ولا يبقى ملَكٌ مُقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ حين تزفرُ جهنمُ إلاَّ خاف، فتذكر يا عبد الله! حين تأتي يوم القيامة في تلك العرصات وقد غضِبَ الجبارُ غضباً لم يغضبْ قبلَه مثلَه، ولن يغضبَ بعده مثلَه، ثم تأتي وأمامَك القرآنُ، فهل يمُكِنُ أن تعذَّبَ وأمامَك القرآن؟. فإن كنت من أهل القرآن قراءةً وتدبرًا وعملاً، فإنه سيكونُ لك شفيعًا بإذنِ اللهِ يومَ القيامة عند ربِّ العالمين .

-               روى ابن حِبانَ و البيهقيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ رحمه الله مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ القُرآنُ شافعٌ مُشَفَّعٌ، ومَاحِلٌ مُصَدِّقٌ - ماحلٌ: أي ساعٍ مُدافعٌ - مَنْ جعلَهُ أمامَه قادَه إلى الجنةِ، ومَنْ جعلَه خَلفَُه قَادَهُ إِلىَ النَّار ]  .
* ومعنى الحديث:
 أنَّ منِ اتَّبعَ القرآنَ وعمِلَ بما فيه، فإنه شافعٌ له مقبولُ الشفاعة في العفو عن زلاَّته وسقطاته، فَمن جعله أمامه بالعمل به قاده إلى الجنَّة، ومَنْ ترك العملَ به وجعله خلفَ ظهره، أثٍمَ على إساءته، وعند ذلك يسوقه إلى النَّار .
- ولهذا كان سلف الأمَّة حريصين في الأخذ بالقرآن علما وعملا، ليكون حجَّةً لهم يوم القيامة، قال أبو عبد الرحمن السُّلمي: [إنَّا أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنَّهم كانوا إذا تعلَّموا عشرَ آياتٍ لم يجاوزهنَّ إلى العشر الآخر، حتَّى يعملوا مَا فيهِنَّ فكُنَّا نتعلَّم القرآنَ والعملَ به، وإنَّه سيرِثُ القرآنَ بعدنا قومٌ يشربونه شربَ الماء - أي يقرؤونه من غير تدبر لمعانيه، ولا تأمُّلٍ في أحكامه، بل يمرُّ على ألسنتهم كما يمرُّ الماء المشروب عليها بسرعة- قال: لا يجاوز ها هنا، ووضع يدَهُ على حلْقِهِ].
-                ممَّا يؤكِّد الحديث: أهميةَ القرآن، وضرورةَ أن يكون لكلِّ مسلمٍ منه وِرداً كلَّ يوم، وإنَّ يومًا يمرُّ على المسلمِ لم يقرأْ فيه القرآن، هوَ يومٌ ضاع من عمره.
-               قال الإمام النووي :" اعلم أنَّ تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار، والمطلوب القرآءة بالتدبُّر....، وينبغي أن يحافظَ على تلاوتهِ ليلاً ونهارًا وسفرًا وحضرًا "
-               قال ابن عثيمين:" وأَحُثُّ نفسي وإياكُم على تلاوة كتابِ الله، لا تتركوا القرآنَ، ولو في الشهرِ مرَّةً تقرؤه كلَّه، أو مرتين، أو أربعة، أو عشرات مرات، وهذا أدنى ما يكون مِنَ الكمال، أن تقرأَه كلَّ ثلاثةِ أيامٍ - إلى أن قال - المُهمّ لا تهجرْ القرآن، لأنه كلامُ الله عزوجل، ولا يزيدُك إلا نورًا في القلب، وبصيرةً في العلم، والله الموفِّق " ا.هـ
·                ومعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعا لأصحابه":
-                قيل: يُصوَّرُ القرآنُ بصورةِ شيءٍ قائمٍ بنفسه يجيء يومَ القيامة بحيث يراه الناس، كما يجعل اللهُ لأعمال العباد خيرِها وشرِّها صورةً ووزْنًا يوضع في الميزان. فكذلك القرآن الكريم يجيء شفيعا لأصحابه القارئين له، المشتغلين به، المتمسكين بهديه، الممتثلين لأوامره المجتنبين لنواهيه.

* فَضَائِلُ بعضِ سُوَرِ الكتابِ الكريم مِنْ صَحِيحِ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ *

1- فضل سورة الفاتحة وهي أعظم سورة في كتاب الله عز وجل:
أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنتُ أُصلي، فدعاني النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلَمْ أُجِبْه، قُلت: يا رسولَ الله إني كنتُ أصلِّي، قال: [ ألم يقل الله: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ﴾ ؟ ثم قال: أَلاَ أُعلَّمُكَ أعظمَ سُورَةٍ في القرآنِ قبلَ أن تخرجَ مِنَ المسجد؟" فأخذَ بِيدَيَّ، فلمَّا أردْنا أن نخرجَ قلت: يا رسولَ الله، إنَّك قلتَ: لأُعلِّمنَّك أعظمَ سورةٍ في القرآن، قال: ﴿ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾: هي السبعُ المثاني والقرآنُ العظيمِ الذي أُوتيتُه ].

- وأخرج مسلم عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال:[ بينما جبريلُ قاعدٌ عندَ النبِّي صلى الله عليه وسلم سمعَ نقيضًا - صوتٌ كصوتِ البابِ إذا فُتِحَ- مِنْ فَوْقِه. فرفعَ رأسَه فقال: هذا بابٌ مِنَ السَّماءِ فُتِحَ اليومَ لم يُفْتحْ قطُّ إلاَّ اليومَ, فنزَلَ مِنهُ مَلَكٌ, فقالَ: هذا ملكٌ نزلَ إلى الأرضِ لمْ ينزِلْ قطُّ إلاَّ اليومَ, فسَلَّمَ وقال: أبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فاتحةِ الكتابِ وَخواتيمِ سورةِ البقرةِ لن تقرأَ بحرفٍ منهما إلا أُعطِيتَهُ ].

* فَضْلُ سُورَتيَ البَقرةِ وَآلِ عِمْرَان *

- أخرج مسلمٌ عن أبي أمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه قال: قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:[ اِقرَأُوا القرآنَ فإنَّهُ يأتيِ شفيعًا لأصحابِهِ, اِقرأوا الزَّهْراوَيْن (1) : البقرةَ وسورةَ آلَ عمران؛ فإنهما تأتيانِ يومَ القيامةِ كأنهما غمامتان, أو كأنهما غَيايتان (2) , أو كأنهما فِرقان مِنْ طيرٍ صوافٍّ (3) , تُحاجان عن أصحابهما (4) , اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة, وتركها حسرة 5, ولا تستطيعها البطلة (6)].
(1) أطلق عليهما الزهراوين: لنورهما وهدايتهما وعظم أجرهما.
(2) الغمامة والغياية: ما يظل الإنسان من سحابة وغيرها، قال العلماء: [ المراد: أنَّ ثوابهما يأتي كغمامتين، ويكون هذا الذي يُؤتى به يوم القيامة جزاء عن قراءتهما ].
(3)- فرقان: أي جماعتان أو قطيعان من طير .
(4)- تُحاجَّان: تُدافعان وتُجادلان.
(5)- فإنَّ أخذها بركة: أي في المواضبة على تلاوتها والتدبر في معانيها، والعمل بما فيها منفعة عظيمة .
-  وتركها حسرة: أي ندامة يوم القيامة .
 (6)- البطلة: أي: لا يقدر على تحصيلها أصحابُ البَطالة والكُسالة لطولها، وفسَّرها معاوية: بالسحرة: لأنَّ ما يأتون به باطل، سماه باسم فعلهم الباطل، فلا يؤهَّلون بذلك ولا يُوَفَّقون له.

- وفي لفظ لمسلم: [عن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:[ يُؤتى بالقرآن يومَ القيامة وأهلِه الذين كانوا يعملون به تقدمُه سورةُ البقرةِ وآل عمران "وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أمثال ما نسيتُهُن بعد قال: " كأنهما غمامتان أو ظُلتان سَوْداوان، بينهما شرق - ضياء ونور - أو كأنهما حِزقان من طير صوافَّ. تحاجان عن صاحبهما ].

- و عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:[ لا تجعلوا بيوتَكم مقابرَ إنَّ الشيطانَ ينفِرُ مِنَ البيتِ الذي تُقرأُ فيهِ سورةُ البقرة ][صحيح الجامع: 7227].

- وسورة البقرة سنَامُ القرآن: وسَنام كلِّ شيء أعلاه:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنَّ لِكُلِّ شيءٍ سَنامًا، وسَنَامُ القرآن سورةُ البقرةِ، وإنَّ الشيطانَ إذا سمِعَ سورةَ البقرةِ خَرجَ مِنَ البيتِ الذِي يُقرَأُ فيهِ سورةُ البقرةِ ] .
- وسورة البقرة وآل عمران هما من السبع الطوال:
فقد صحَّ عن عائشة مرفوعا: [ مَنْ أخذ السبعَ الطوالِ من القرآن فهو حَبرٌ ] أي: عالم .
- أخرج أحمد وابن عدي وابن حبان والطحاوي وابن أبي شيبة عن أنس قال: [ وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدَّ فينا - يعني: عظُمَ فينا -، وفي لفظ: يُعَدُّ فينا عظيما، وفي لفظ: عُدَّ فينا ذا شأنٍ ] .

* فضلُ آية الكرسي *

أخرج مسلم عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ يا أبا المنذر! أتدري أيّ آيةٍ من كتابِ الله معك أعظم؟" قال: قلت: اللهُ ورسولُه أعلم؟ قال:" يا أبا المنذر! أتدري أيّ آية مِنْ كتابِ الله معكَ أعظم؟" قال: قلت: ﴿ اللهُ لا إله إلا هو الحيَّ القيوم ﴾, قال: فضرب في صدري وقال: "واللهِ! ليهنك العلم أبا المنذر" .

- وروى ابن السني بسند حسن وعن أبي أمامَة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[  :مَنْ قرأ آيةَ الكرسي دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ، لم يحُلْ بينهُ وبينَ دخولِ الجنةِ إلا الموت ] .

- وأخرج البخاريُّ وغيرُه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: وَكَّلَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِى آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: إِنِّى مُحْتَاجٌ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ، وَلِى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ »، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ »، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ دَعْنِى فَإِنِّى مُحْتَاجٌ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ لاَ أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم: « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ:« أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ »، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَام، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ دَعْنِى أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ ﴿ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ﴾: حَتَّى تَخْتِمَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ »، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِى كَلِمَاتٍ، يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: « مَا هِىَ »، قُلْتُ: قَالَ لِى إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ ﴿ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ﴾ وَقَالَ لِى: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، - وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الْخَيْرِ- فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: « أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ »، قَالَ لاَ ، قَالَ: « ذَاكَ شَيْطَانٌ » .

* فضل سورة الكهف *

- أخرج مسلم عن أبي الدرداءَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:[ مَنْ حَفِظَ عشرٍَ آيات مِنْ أوَّلِ سورةِ الكهفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّال ]  .

 - وأخرج البخاري ومسلم عن البراءِ رضي الله عنه قال: كان رجلٌ يقرأُ سورةَ الكهف، وإلى جانبِه حصانٌ مربوطٌ بشَطَنَيْنِ - والشطن: الحبل -، فتغشَّتْهُ سحابةٌ - أي: غطَّته وعلَتْه، فَجَعلت تدنو وتدنو، وجعلَ فرسُه ينفر - أي : يفرُّ ويذهب- فلمَّا أصبحَ أتىَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرَ ذلك له، فقال: " تلك السكينة تنزلت بالقرآن"  ].
أي: الرحمة، والطمأنينة والراحة التي يبعثها القرآن بإذن الله في القلب والمكان.
* قال النووي: [ وفي الحديث فضيلةُ القراءة، وأنَّها سببٌ في نزول الرحمة وحضور الملائكة ] .

* فالقرآن كلُّه سببٌ لِتنزُّل الرحمات، ولا سيما إذا قُرئ القرآنُ واستُمِع له حقَ الاستماع، ليُنتفعَ به ويُتدَّبرَ ما فيه من الحِكَمِ والمصالح، ليُتوصَّلَ بذلك إلى رحمةِ الله، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[الأعراف: 204].

- ولذا قال الليث :[يُقال مالرحمة إلى أحد بأسرعَ منها إلى مستمع القرآن، لقوله الله عزَّ وجلَّ ﴿ وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ ].
 -وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الاجتماعَ للقرآن وتدارسَه واستماعَه، له ثمراتٌ عظيمة، منها حصولُهم على رحمةِ الله تعالى، وذلك ما أخرجه مسلم: [وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيت مِنْ بُيُوتِ اللهِ تَعَالَى ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ الله فِيمَنْ عِندَهُ ].

* فَضْلُ الآيتينِ الآخيرتينِ مِنْ سُورةِ البقرةِ *

أخرج البخاري ومسلم عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ إنَّهُ مَنْ قرأَ بالآيتينِ مِنْ آخرِ سورةِ البقرةِ في ليلةٍ كفتاه ].
 - وفي معنى " كفتاه"  أقوال أحدهما: كفتاه قراءة في قيام الليل، والثاني: كفتاه من كل سوء ومن الشيطان، والثالث: كفتاه أجرًا فأجرها عظيم.

- وروى الترمذي بسند حسن عنِ النعمانَ بنِ بشيرٍ رضي الله عنه عنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ إنَّ اللهَ كتبَ كتابًا قبلَ أن يخلُقَ السماواتِ والأرضَ بألفي عامٍ أنزل منه آيتين ختمَ بهما سورةَ البقرةِ ولا يُقرآنِ في دارٍ ثلاثَ ليالٍ فيقرَّ بها شيطان ].

* فضلُِ سُورةِ الإخلاصِ وَالمُعَوِّذَتَيْنِ *

- أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختِمُ بـ" ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:[ سلوه لأيِّ شيء يصنعُ ذلك؟ ] فسألوه ،فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أُحِبُّ أن أقرأَ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبروه أن الله يحبه ].
- وأخرج مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ أيعجِزُ أحدُكم أن يقرأَ في ليلةٍ ثلثَ القرآن؟ قالوا: وكيف يقرأُ ثلثَ القرآن؟ قال: قل هو الله أحد، تعدِلُ ثلثَ القرآن ] .
-  وروى الترمذي بسند حسن عن عبدِ اللهِ بنِ خبيبٍ رضي الله عنه قال: خرجْنا في ليلةٍ مطيرةٍ وظُلمةٍ شديدةٍ نطلبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصلي لنا، قال: فأدركتهُ فقال: "قل" . فلَمْ أقلْ شيئًا، ثم قال: "قل", فلم أقل شيئًا، قال: "قل" , قلت: ما أقول؟ قال: "قل هو اللهُ أحد، والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاثَ مرَّاتٍ تكفيكَ مِنْ كُلِّ شيءٍ ] .
- وأخرج البخاري وعن عائشة رضي الله عنها:[ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كلَّ ليلةٍ جمعَ كفَّيهِ، ثم نفثَ فيهما فقرأَ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ, ثم يمسحُ بهما ما استطاعَ مِنْ جسدِه يبدأ بهما على رأسَه ووجهَه، وما أقبلَ مِنْ جسدِه يفعلُ ذلك ثلاثَ مراتٍ.]

* فَضْلُ سُورَةِ الكَافِرُون *

روى الترمذي وغيره بسند حسن عن نوفل بن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ ﴿ قل يا أيها الكافرون ﴾ ثم نَمْ على خاتِمتِها فإنها براءةٌ من الشرك ].




* ضَرُورَةُ اِسْتِذَكَارِ القُرْآنِ وَتعَاهُدِهِ وعلاجِ تفلته *

- أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: [ إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة - المربوطة بحبل والمشددة به - , إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت] .
وفي زيادة لمسلم: [ وإذا قام صاحب القرآن فقرأ بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه ]
- وأخرجا كذلك عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ تعاهدوا القرآنَ فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيًا - انفصالا - من الإبل في عقلها ] .

- التعبيرُ " بالتعاهد ": فيه تذكيرٌ بأنَّ هناك عهدًا وميثاقًا لا يجب أن يُتركَ بين طرفين: هما المسلم الحافظ للقرآن وبين القرآن.

- قال ابن حجر:[ شبَّهَ درسَ القرآن واستمرارَ تلاوته بِربط البعير الذي يُخشى منه الشَّراد، فما زال التعاهد موجودا، فالحفظ موجود، كما أنَّ البعير ما دام مشدوداً بالعقال فهو محفوظ، وخُصَّ الإبل بالذكر لأنَّها أشدُّ الحيوان الإنسيِّ نفوراً، وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة ]
- قال ابن كثير:[ ومضمونُ ذلك: الترغيب في كثرة تلاوة القرآن، واستذكاره، وتعاهده، لئلاَّ يُعرِّضه للنسيان، فإنَّ ذلك خطأ كبير، نسأل الله العافية منه ] ا.هـ

- لذا كان الواجب على المؤمن أن يحذر من هجر القرآن، وترك تعاهده:فقد روى البخاري عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:[بئس ما لأحجهم أن يقول: نسيت آية كَيْتَ، بل نُسِّي، واستَذكِروا القرآن، فإنَّه أشدُّ تفصِّيًا من صدور الرِّجال مِن النَّعم]

- قال ابن حجر: [ وإنَّ سببَ الذم ما فيه من الإشعار بعدم الاعتناء بالقرآن، إذ لا يقع النسيان إلاَّ بترك التعاهد، وكثرة الغفلة، فلو تعاهده بتلاوته، والقيام به، في الصلاة، لدام حفظه وتذكُّره، فإذا قال الإنسان: نُسِّيتُ الآية الفلانية، فكأنَّما شهِدَ على نفسه بالتفريط، فيكون متعلَّق الذَّم، ترك الاستذكار والتعاهد، لأنَّه الذي يورث النسيان .
وقوله: واستذكروا القرآن: أي: واضبطوا على تلاوته، واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به - إلى أن قال -، وفي هذه الأحاديث الحضُّ على محافظة القرآن بدوام دراسته، وتكرار تلاوته ] ا.هـ.

- قال ابن كثير :[ فإنَّ نسيان القرآن من أعظم المصائب، وقد أدخل بعضُ المفسِّرين هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾[طه: 124-125] قال: هذا الذي قاله هذا، وإن لم يكن هو المراد جميعه، فهو بعضه، فإنَّ الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كبير وتفريط شديد ، نعوذ بالله منه ] ا.هـ.

* ومن الآيات المنفِّرة مِن هجر القرآن وتعاهده: قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾.

قال ابن عاشور: [ واسم الإشارة في: " هذا القرآن ": لتعظيمه، وأنَّ مثلَه لا يُتَّخَذَ مهجورًا، بل هو جدير بالإقبال عليه، والانتفاع به، والمهجور: المتروك والمفارق، والمراد هنا ترك الاعتناء به وسماعه ] ا.هـ
    واللهَ نسأل، أن يجعلنا من أهل القرآن وخاصته، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وإخوانه إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

           وقد تمَّ جمعه وترتيبه وتلخيصه يوم: الأحد: 01 صفر 1436هـ
                                             الموافق لـ: 23-11-2014م
                                         الأخ: أبو أنس سمير بوقرة
                                         إمام مدرس
بمسجد مالك بن أنس بالكاليتوس